علم نفس
بقلم / الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي
نسرين نجم
Nessrinenajem 79@gmail.com
“الانا خارج الصندوق “
تتشكل شخصية الطفل في البداية من أهله ومن ثم من البيئة التي يعيش فيها، وتنتقل إليه القيم والعادات والتقاليد وتكوين الإتجاهات من خلال التنشئة الأولى، ومن بعدها تأتي التنشئة المدرسية.
لكن إن نظرنا بموضوعية إلى “التربية الأسرية” وبشكل عام في مجتمعاتنا العربية لوجدناها أقرب إلى “التلقين” من مفهومها الحقيقي، فالتربية تعني صناعة الشخصية المتوازنة المستقلة المبتكرة المنتجة المشبّعة عاطفيًا ونفسيًا واجتماعيًا المتصالحة مع ذاتها، إلا أن ما يحصل هو تنميط صورة الأم والأب على الطفل، ورميه ب “إسقاطاتهم” ليصبح نسخة طبق الأصل عنهم..
والأهم من ذلك أن عددًا كبيرًا من أسرنا العربية لا تهتم بتنمية المهارات والطاقات والمواهب الموجودة عند الطفل، لا بل تعمل على تشذيبها واستئصالها لتتناسب مع المنظومة القيمية والثقافية القائمة بالمجتمع، والتي أغلبها مبني على “ترّهات” وعلى مفاهيم “الخضوع” و”الخنوع” للطوطم إن كان زعيمًا سياسيًا أو للأب أو لأي مسؤول، ومن المفارقات العجيبة بأننا نفتقد وبشكل عام “للغة الحوار” و “الاستماع” لأطفالنا، وحتى أنه في حال طرح الطفل أو المراهق أو الشاب أي سؤال وجودي أو اجتماعي أو…. يجابه بالقمع “عيب تطرح هيك سؤال” وكأن عليه أن يعيش داخل الصندوق، دون أن يُسمح له بالتفكير ماذا يحصل خارجه، لا بل ويقيدوه إن حاول الخروج منه بمفاهيم وأفكار دينية لا تمت إلى الدين بصلة، وبقيم اجتماعية لا صلة بها بالإنسانية وتطور العقول… فيصبح العقل منقادًا لا قائدًا… وبالتالي يتم تجميد عمل سر الوجود والتقدم قصدنا به “العقل”، فيتحول إلى “عدد” بدلًا من أن يكون “قيمة” بحدّ ذاتها، ويصبح “مستهلكًا” بدلًا من أن يكون “منتجًا”… وهذا ما يُفقد مجتمعاتنا الطاقات التي بإمكانها أن تغير المجتمع نحو الأفضل، وبأن يكون لها الدور الريادي بين الدول المتقدمة أو ما يُسمى بدول العالم الأول.
ما نحتاجه هو “نفضة ونهضة” في مفهوم التربية، وتعزيز لغة الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة، والعمل على تشجيع الأطفال منذ الصغر على إبداء أرائهم وتربيتهم على النقد البنّاء، وتحفيزهم على طرح الأسئلة، والإجابة عليها بما يتناسب مع أعمارهم وعقولهم، ولكن بطريقة صحيحة بعيدة عن الأجوبة – الهروب التي لا تمت إلى الحقيقة بصلة.
وأيضًا من الضروري لا بل من الواجب الإبتعاد عن العنف، فالسائد لدينا هو مفهوم “العقاب” متناسيين بأنه مرتبط ب”الثواب” وبأن العقاب لا يعني العنف الجسدي واللفظي والنفسي، ففي “العقاب” شيء من “فن التربية”.
حتى أن مناهجنا التربوية تحتاج إلى “إنتفاضة” لتزيل عنها غبار “التلقين” و “الببغائية”، وتجاري أساليب التعليم الحديث.
أطفالنا ” ورود الدار” صنّاع المستقبل بنّاة الحضارة، فلنحسن تربيتهم، ولندفعهم ليخرجوا أفكارهم من الصندوق، لنكون كالأمواج الهادرة التي لا تهدأ بالإكتشافات والاختراعات والتطورات.