” بتعرفي شو !؟ ما عم بشتقلك .. ما عم حس حابب إجيّ شوفك “
عبارتان موجهتان لها من الانسان نفسه وكأنه شخصين في جسد واحد، الاول يحبها والثاني يجدها غريبة عنه. كانت صدمة صاعقة عليها عندما حصلت هذه الحادثة لأول مرة فالشخص الذي قابلته كان مختلفاً كل الاختلاف عن الذي أحبّته و سكن وجدانها حتى أن ملامح وجهه باتت غير مألوفة لها لأنها تغيرت فإذا بالشخص نفسه إنساناً آخرا بارداً شاحب اللون مرهقاً عارياً من الأحاسيس.
الحقيقة المريرة
بالحقيقة صدمها مشهده وتأثرت حتى البكاء ثم أصيبت بالإنهيار لأسبوع حيث بدأ الزمن يلعب بذكرياتها وإسترجعت ذاكرتها المرهقة يوم عبر لها منذ أسبوع عن مدى إشتياقه وارتياحه بعلاقتهما فساورتها الشكوك وتضاربت الأفكار حول سبب هذا التغيير المفاحىء فالأمور كلها كانت على أفضل حال بينهما وقد استبعدت فكرة وجود إمرأة أخرى في حياته حيث أنه كان ليصارحها بالموضوع نظراً لشدة صراحته .
الاكتئاب والا.!!
لربما هو الإكتئاب الذي جعل ملامحه شاحبة فتلاعبت بمشاعرها أحاسيس الألم والأمل سواسية فالألم من قساوة كلامه الذي شطر فؤادها والأمل بعودته بالرغم من كل ما حصل .
انغلق على نفسه منهمكاً في العمل لفترة أسابيع كان فيها قاسياً مع أقرب الناس له ليعود بعد قطيعة أسبوعين بشخصيته المعتادة المرحة المفعمة بالحياة والحيوية معتذراً خجولاً من المواجهة معبراً باعذاره عن خوفه من الارتباط والمسؤولية بدون أن يبوح بالسبب الحقيقي لكل تصرفاته التي عادت لتتكرر مرات عدة . شكلت هذه الحالة شيئاً من الفضول عندها لإكتشاف سبب هذه السلوكيات ونظراً لدراستها في مجال علم النفس ونتيجة للأبحاث المكثفة عن مثل هذه الأعراض وصلت إلى نتيجة مخيفة ألا وهي مرض ال (bipolar) المنتشر بصمت بين الكثير من الأشخاص وأبرزهم من الفنانين والمبدعين والعباقرة .
بصراحة هذه واقعية ما باحت به صديقتي أثناء جلسة مصارحة فاستفزني مضمون الحادثة وخصوصا هذا المرض النفسي بالذات فاستكملت البحث عنه بإمعان وبعد أن جمعت حصيلة وافرة من المعلومات قررت نشره باختصار هدفاً للتوعية والانتباه لمثل هذه الحالات المرضية .
في منتصف القرن العشرين عرض الطبيب الالماني (ايميل كريلبين) (Emil kraepelin) مرضاً اسماه (manic-depressive insanity ) الذي أصبح لاحقاً يشار إليه ب (bipolar disorder) أي الإضطراب ثنائي القطب وهو اضطراب بالمشاعر.
يمر الانسان المعافى في حياته بمراحل متتالية ما بين الفرح والحزن فإذا أردنا أن نجسدها في رسم بياني ستكون على شكل موجات جيبية (sinusoidal waves) بسعة (amplitude) منخفضة نسبياً أما مريض ال (bipolar) فإن سعة هذه الموجات ترتفع بشكل كبير نسبة لدرجة مرضه فيمر بحالة من النشاط والسعادة الغير طبيعية (كريزة سعادة) (mania) تليها بشكل مفاجىء حالة من الكآبة الشديدة (depression) وفي بعض الحالات يمر المريض ببعض الأوقات التي يكون تفاعله طبيعياً مع الواقع.
امراض ال (PSYCHOSIS )
يوضع هذا المرض النفسي ضمن خانة امراض ال (psychosis) أكثر مما هو من ال (nervose ) وتتم معالجته بالدواء (thymoregulator ) بوصفة من الطبيب النفسي وذلك حسب نوع المرض لأن هذا المرض مقسم الى أربعة أنواع (type1 ,type2 ,type3 , manie unipolaire ) ففي ال (type1) يكون المريض بحالة ال (mania) أي كريزة سعادة قوية تليها حالة إكتئاب أما (type2) فيكون بحالة إكتئاب عنيفة (depression ) تليها كريزة سعادة خفيفة وغير ملحوظة (hypomania) أما في ال (type3 ) فيعاني المريض فيها من حالة إكتئاب دائم (depression) بالرغم من أن هذا المرض مخفي إجتماعياً إلا عن ذوي الإختصاص هو يعد خطيراً لأن مريض ال (bipolar) عندما يكون في حالة من الكريزة يكون غير مسؤول عن تصرفاته و بغير كامل وعيه فاقدا للسيطرة على مشاعره وتصرفاته وقراراته وقد يقوم في حالة ال (mania) بأعمال جنونية تؤدي إلى خسارة كل أمواله أو قد يتعاطى المخدرات ويقوم بالإعتداء الجنسي على الآخرين بشكل لا إرادي أو يمكنه في حالة الإكتئاب أن يقدم على الإنتحار أو أذية الغير .
العلاجات
يحتاج الدواء في هذه الحالة لبعض الوقت ليحقق ثباتاً عاطفياً عند المريض في حال لم يمتنع هذا الأخير عن تناوله بشكل منتظم وهذه هي المشكلة الرئيسية لأن مريض هذه الحالة لا يتناول دواءه في معظم الأحيان خصوصاً عندما يشعر بالتحسن ويتوقف فجأة بدون سابق انذار عنه معتبراً نفسه لم يعد بحاجته والبعض من المرضى يلتذون بشعور كريزة السعادة ولا يريدون خسارة هذا الشعور رغم معرفتهم بأن حالة من الاكتئاب سوف تليها.
يتحلى مريض الإضطراب ثنائي القطب بقدرات ذهنية مخيفة تخوله العمل بطريقة مكثفة فيرفض خسارة هذه القدرة ولكن ما قيمة النجاح بالعمل في حياة غير منتظمة وغير سعيدة . يعامل مريض ال (bipolar) الاشخاص القريبين منه بقساوة وعنف عندما يكون في حالة الكريزة ليعود من بعدها نادماً وخجولاً من نفسه غير قادر على المواجهة بعد أن تصرف بأسلوب غير لائق وبنفس الوقت هو خائف من العلاج، فيخسر الكثير من حوله ويتحول عدم الإستقرار العاطفي إلى عدم استقرار في حياته.
كثير من الأشخاص نتواصل معهم ونعرفهم ولكننا لا نعمل بأنهم مصابون بهذا المرض منهم فنانون وعباقرة ومشاهير مثل (Britney spears) (jimcarrey) (winston cherchel ) والشاعر المصري (صلاح جاهين) و(ماريا كاري) و (catherine zeta-jones ) (جون كلود فندام) (روبين ويليامز) وغيرهم كثر.
التوعية مهمة جداً حول هذا المرض لأنه ينتقل جينياً من الأهل إلى الأولاد ليظهر في أية مرحلة من مراحل حياتهم ولا يوجد أي علاج له سوى الدواء الدائم الذي يخفف نسبة 70% من الأعراض تقريباً إضافة إلى جلسات علاج نفسي .