رنة وتر .
بقلم / دعيبس بلوط
ممنوع الاستنساخ
هذا الكتاب كان معددا عن سيرة المغني محمد اسكندر الفنية .
بناء على طلب من الزميلة فريال موسى بتكليفي بكتابة محتوى عن سيرة الفنان محمد اسكندر لاصدارها في كتاب ولظروف احتفظ بها منها الاجر المادي الذي لا يلائم مسيرتي الاعلامية و لا القيمة المعنوية لصياغتي فامتنعت عن تكملة الكتابة لذا انشر المحتوى مع مودتي واحترامي للزميلة العزيزة الصديقة (بدون زعل ).
رفد من مدينة الشمس وارضها الآبية مثل فرسان القصص الاشداء ليكون نجما من نجوم الاغنية الفلكلورية اللبنانية المعاصرة . صوت بعلبكي اكتملت في مقاماته الصوتية اروع العرب والقفلات فكان مطواعا على التوازن بين القرار والجواب غناء اضافة الى الاداء العالي والاحساس المرهف محمد اسكندر النجم الانسان المكلل بالقيم والمبادىء والعصامي الكفوء لذي حفر مقاعد نجاحاته بعذيمة جبارة واصرار عنيد .
الاهداء .
لا املك الملايين لاهدي اليكم ..
ولا اصنع المستحيل لاخترق اذهانكم ..
انا مطرب حساس على منصات صوتي تسكن الاحلام ..
ضوء الزهور ومروج الآمال ..
على صوتي الف قبلة وقبلة وفؤاد لا يعرف الا نبض الحب ..
عندما اغني اشعر بان المسرح فضائي ووجوهكم كواكبي و تصفيقكم زوادتي نحو الغد ..
انا اسست وطني الغنائي لنسكنه معا ..
اليكم اهدي هذا الكتاب لانه المرآة التي تعكس حقيقتي بلا تزيف .
ضوء وحياة .
في تلك الليلة الباردة من ليالي الشتاء في مدينة بعلبك الشاهدة على تاريخ الحضارات ومعبد (جوبيتير ) تعب المطرب محمد اسكندر من السعي الدؤوب نحو الشهرة واستكانت باعماقه هدنة الانتظار بعد ان حقق ما حقق من محطات فنية قيمة وحصد جماهيرية عريضة من محبيه . جلس على مكتبه والاوراق مبعثرة في كل اتجاه وكأن شيئا عميقا في اعماقه يحثه على فعل الكتابة .
مسيرة غنائية مليئة باروع الاعمال الخالدة من الضروري ارشفتها للاجيال ومشوار غنائي مضني حفره اسكندر بثبات وعذيمة وعصامية . الشتاءات في بعلبك دافئة خاصة وان الحطب في الموقد يظل ساهرا حتى بزوغ الفجر . حمل اسكندر آلة التسجيل وبصوت مختمر بلذة النجاح بدأ بسرد تفاصيل مسيرته الفنية والانسانية .
19 سبتمبر..البداية .
في ذاك اليوم كانت الحياة هادئة ساكتة بانتظار المولود القادم المجهول الجنس لانهم كانوا بعيدين عن تحليل وتحديد جنس المولود كما اليوم وفي تاريخ (19/ سبتمبر/ 1960 ) ابصر محمد اسكندر النور وسط فرحة من الزغاريد والتهليلات . ولد طفلا لا يدرك مصير قدره ولا ما يخبئه له الزمن وما تعده به الايام لكنه ولد من رحمة الكلمة بدون ان يعلم ذلك وكأن الشعر ملفته الاولى .
خبأ محمد الطفل احلامه على فراغ كفه بعيدا عن البصارين فكان لا يترك مناسبة الا ويعرض مفاتن موهبته الزجلية والغنائية في الاعراس او الحفلات او المناسبات العامة وكان اسكندر لمجرد يقف امام الميكرفون ينتابه ذاك الاحساس العالي فتسمو روحه الى اعلى المراتب وكأنه نسر محلق في الاعالي . بدأ باكتشاف موهبته فعمل باصرار على تنميتها والارتقاء بها فكان شاعرا زجليا ينظم القوافي ارتجاليا ويزين بها السهرات ولما اشتد ساعده حمله طموحه وهو يافع الى تأسيس فرقة زجلية تجول القرى والمدن وخرج بها الى العالم باسره . ظلت موهبة الغناء يقظة بداخله الى ان حمله حلمه للاشتراك ببرنامج الهواة آنذاك (ليالي لبنان ) على تلفزيون لبنان حيث اطلق اغنية (غبتي يا لينا) فنال الميدالية الذهبية وعشق الجماليات الغنائية بصوته الا ان ابواب الشهرة لم تفتح له الا بعد اصداره للاغنية (مين الشاغل بالك سميرة يا زغيري / 1989) التي قلبت الموازين في الاغنية الفلكلورية اللبنانية وفتحت ابواب الاضواء امامه لينطلق نحو سماء النجومية .
صار محمد اسكندر فارسا للغناء والحفلات وكرت اعماله الغنائية المستقلة من البومات وحفلاته ومن شدة وجعه الوطني اطلق عام (2000) على اثر انسحاب الاحتلال الصهيوني الغاشم من الجنوب اغاني حماسية جسدت الواقع منها : غربة / طيارة بيروت / لا تناديني / مش راح ارجع/ يا يما حصريلي تيابي .
سكن الليل وتعب الورق فاخذ محمد اسكندر هدنة .
عاشق الشعر .
في صحوة السكون تستيقظ المشاعر وتفيض القريحة بالمشهديات والاحاسيس وكأنها شلالات متدفقة عندها تستكين النفس البشرية وتهدأ ثم تبدأ رحلة الابداع .
ابو فارس فارس الكلمة وراعيها كما يرعى الخيال مهرته ومترجم بارع للاحاسيس التي يسكبها في ابيات من الشعر الزجلي كما يسكب الخمار نبيذه المعتق.
قصائد ابو فارس في الشعر الغزلي او الوطني تخبأ تحت جناحيها الاحلام وتدغدغ المشاعر فتنقلك من واقع مرير لمدائن اخرى يسكنها الفرح والأمل وهو الشاعر الآبي الذي عمد موهبته بمحبرة الارتجال ونسج قصائده بحروف مغطاة بالوجدان فتمسك بالقيم والعادات والآصالة ولم يشرد عن مسار الطرقات الفرعية التي توقظ القلوب للاصغاء او قراءة ما يكتب .
صلة الرحم .
بين ابو فارس ونظم القوافي صلة رحم ومودة فكلاهما لا يعرف روافد الآخر الا ان الزمن وحده يحدد بلحظة صامتة اجتياز المسافات والصعاب وكأن هذا الفنان الشاعر يهرب من حاله عندما ينظم قصيدة الى حاله . اجتاز اسكندر الابعاد والمسارح والاضواء وكواليس الشهرة ليسكب حلاوة مشاعره الصادقة فوق الورق الاسمر ويغزلها بوجدانيات عالية قصائد براقة في وجدان الغناء العربي كما ايقظ مجالس الشعر في حضرة الامراء والسلاطين والحكام بقصائده .
مما كتبه ابو فارس هذة الخاطرة التي تؤرشف حالة انتشار وباء الكورونا :
بالكورونا مات الذوق
راح الحب وخف الشوق
كان بدنا واقي من تحت
صار بدنا واقي من فوق .
كان مهاجرا في اشعاره التي تحمله لمفاتيح وافكار تلامس حقيقتنا ببساطتها ورقتها وتعبر عن الم واقعنا .
ارشف ابو فارس آفة العداوة بقصيدة تحت عنوان (اعرف عدوك ) جاء فيها :
طالما تعلمتو الحكي العبري
ونحنا واسرائيل ع ذات الحدود
وطالما الاسعد راح مع صبري
وبالمسلسل فارس تجوز نجود
ومازال صرنا بحجر جبري
ومفروض نتعاون ع ايام الصمود
يعني يا حاكم سبرك بسبري
واعرف عدوك بس هالمرة
وعاملونا متل سكان اليهود .
ان هذة المشهديات بكل بساطتها تنساب الى مسمعك برقة وتوقظ فيك روح الحماس .
عايش النجم محمد اسكندر شخصيات وقادة كبار من الحكام فكان مقربا منهم واروع ما نظمه باللوااء ماهر الاسد هذة القصيدة :
يا هاللواء الما دخل قلبك حسد
يحميك رب الكون روحا مع جسد
لما الخيّ يكون مع خيو سند
وصابر على ظلم الدنيي وعندو جلد
ولما الكراسي ما تغرو للابد
وما يخون خيو لا بمال ولا بولد
ولما يحافظ على اسم حافظ الاسد
ويحمي ضهر بو حافظ وتبقى البلد
ولما سوريا تكون عرضو ويحفظو
بيكون هيدا الماهر وهيدا الاسد .
من قراءاته بالسياسة توقف ابو فارس عند دور رئيس الوزراء الاسبق سليم الحص الوطني فنظم هذة الابيات التي عبرت خير تعبير عن واقعنا اليوم حيث جاء فيها :
فكر سليم الحص يقضي عالفساد
كتار قالولوه ارتاح
واقعد عالحياد
يا ريت عنا كم سليمة وكم سليم
ما كان هلق صار هيك بهالبلاد .
ماذا يغني محمد اسكندر؟؟ .
مميز ابو فارس بخامة صوته وبنوعية اختياراته الغنائية لانه يختزن موهبة الشعر الارتجالي وتتسع ذاكرته للكثير من ابيات الميجانا والعتابا . اسكندر من النجوم القلائل في لبنان من اهل المغنى الذي يغني التراث اللبناني اي الفلكلور والاغنية المودرن بتوازن وتناسق لانه على المسرح يخلع عنه رداء التأثر وينطلق على سجيته مع موهبته محلقا في فضاءات تخصه لوحده لهذا السبب عندما غنى الموال ابدع اكثر من غيره بفضل لكنته وخصوصية كلامه وبحة صوته فكان يتلاعب بمحطات من العرب في اماكنها السليمة .
لمن غنى ؟؟
ابو فارس كان حريصا على التنويع باختياراته اللغنائية بعيدا عن الاسفاف وكان جريئا بطرح قضايا حساسة ومهمة مثية للجدل عند النقاد لانه محترف غناء حريفا يفصل الصورة او المشهدية باغنيته مثل الطرزي البارع .
غنى الوطن والعروبة والحب والفلكلور والوطنية كما جسد الاحداث والتاريخ للقضايا فكانت مجمل اغانيه جدلية بموضوعاتها كتلك التي رفض فيها عمل المرأة خوفا من تنمر مديرها فكانت اغنية ضاربة مثل الذوبعة في عالم الغناء المعاصر وحالة منفردة لا مثيل لها . اختار السهل الممتنع لهذا السبب رسخت اغانيه في ذاكرة الناس وترددت في الحفلات والاعراس لكنها لم تكن اغاني للتقاليد لانه زرع فيها بصمة خاصة من الصعب على اي مطرب اخر تقليده فيها لذا كان متميزا متفردا ومستقلا فهذة الصفة الاخيرة ميزت نجوميته كمطرب عن نجومية ابناءجيله كما حافظت على مكانته الغنائية حتى لو غاب دهرا لان احدا لن يتمكن من التجروء على اقتحام صومعته الغنائية.
جاء ابو فارس البعلبكي بكنوزالغناء اللبناني الاصيل في زمن بدأت الاغنية اللبنانية تشهد تزعزعا في مسارها الا ان الاسكندر اعادها الى جذورها الحقيقية من خلال موهبته الابية المزدوجة توهجا ما بين الشعر والغناء .